فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ غَيْرَ عَجْبِ الذَّنَبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ غَيْرَ عَجْبِ الذَّنَبِ

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُ الأَرْضُ إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ‏,‏ وَعَلَيْهِ يُرَكَّبُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ كَامِلٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ ثَنِيّ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالاَ ثنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَبْلَى إِلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ‏,‏ وَفِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ‏.‏

حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الإِنْسَانِ إِلاَّ عَجْبَ ذَنَبِهِ وَفِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْهِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ فَقَالَ قَائِلٌ الْعِيَانُ يَدْفَعُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ‏;‏ لأَنَّا نَجِدُ الْمَيِّتَ يُكْشَفُ عَنْ لَحْدِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ‏;‏ لأَنَّهُ قَدْ فَنَى بِأَكْلِ التُّرَابِ إيَّاهُ وَوَجَدْنَاهُ يُحْرَقُ فَتَأْتِي عَلَيْهِ النَّارُ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ، أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ لاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ إذْ كَانَ الَّذِينَ نَقَلُوهُ عَنْهُ هُمْ أَهْلُ الضَّبْطِ لَهُ الْمُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ‏,‏ وَأَنَّ مَنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَدَفَعَهُ بِجَهْلِهِ إيَّاهُ جَاهِلاً بِلُطْفِ قُدْرَةِ اللَّهِ، سُبْحَانَهُ، لأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ لُطْفِ قُدْرَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعِيدَ الْعِظَامَ الْمُرَكَّبَةَ فِي الأَحْيَاءِ رُفَاتًا‏,‏ ثُمَّ يُعِيدَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏.‏

وَكَمَا قَالَ، جَلَّ وَعَلاَ‏:‏ {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي لُطْفِ قُدْرَتِهِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ فِيهَا أَنْ يُبْقِيَ أَعْجَابَ الأَذْنَابِ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَأْكُلَهُ التُّرَابُ‏.‏

وَكَمَا وَقَى عَبْدَهُ وَنَبِيَّهُ وَخَلِيلَهُ إبْرَاهِيمَ صلوات الله عليه أَنْ تَأْكُلَهُ النَّارُ الَّتِي تَأْكُلُ مَا لَقِيَتْ مِنْ الأَشْيَاءِ لِإِلْهَامِهِ عَزَّ وَجَلَّ إيَّاهَا ذَلِكَ بِحِفْظِهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ حَتَّى يُظْهِرَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشَاءُ إظْهَارَهُ فِيهِ‏,‏ وَإِنْ غَابَ ذَلِكَ مِنْ أَعْيُنِنَا فَهُوَ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْهُ كَمَا قَدْ حَكَى لَنَا عَزَّ وَجَلَّ، عَنْ عَبْدِهِ لُقْمَانَ مِنْ قَوْلِهِ لاِبْنِهِ‏:‏ {يَا بُنَيَّ إنَّهَا إنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} وَهَذَا اللُّطْفُ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِيهِ فِي أَعْجَابِ أَذْنَابِ بَنِي آدَمَ مَا قَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ فِيهِ وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ لَوْ كَانَ الإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا وَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْ كَانَ الإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ سَمِعْت ثَوْرَ بْنَ زَيْدٍ يَذْكُرُ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ‏:‏ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كَلَّمَهُ فِيهَا النَّاسُ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سَلْمَانَ فَقَالَ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ‏:‏ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}‏,‏ فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى سَأَلَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ وَقَالَ لَوْ كَانَ الإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي شُعَيْبٌ مِنْ وَلَدِ أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ الْفُرْسِ أَوْ قَالَ مِنْ الأَعَاجِمِ شَكَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْعِلْمِ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا فِي حَدِيثٍ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَشَيْءٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّا هُوَ مُحْتَمَلٌ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْعِلْمِ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَإِنْ يَكُنْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كَهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ‏,‏ وَإِنْ يَكُنْ مِنْ كَلاَمِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَأْيًا وَإِنَّمَا قَالَهُ بِأَخْذِهِ إيَّاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِأَخْذِهِ إيَّاهُ عَمَّنْ أَخَذَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَنَا شَيْبَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ تَقَرَّبُوا يَا بَنِي فَرُّوخَ إلَى الذِّكْرِ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَعْرَضَتْ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ إنَّ مِنْكُمْ لَرِجَالاً لَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِالثُّرَيَّا لَنَالُوهُ وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كَمَا حَدَّثَنَا بَكَّارَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٌ الأَعْرَابِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَنَّ الْعِلْمَ بِالثُّرَيَّا لَتَنَالُهُ رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الآثَارَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِمَا فِيهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَوَجَدْنَا ذَلِكَ عَلَى الْمَثَلِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ أَنْتَ مِنِّي كَالثُّرَيَّا أَيْ‏:‏ فِي الْبُعْدِ أَوْ كَمِثْلِ قَوْلِهِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبِ أَنْتَ مِنِّي مُؤَخَّرُ الْقَلْبِ‏,‏ وَأَنْتَ مِنِّي نُصْبَ عَيْنِي وَأَنْتَ مِنِّي كَذِرَاعَيَّ مِنْ عَضُدِي فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ‏,‏ وَكَانَتْ الثُّرَيَّا لاَ إيمَانَ وَلاَ دِينَ وَلاَ عِلْمَ بِهَا فَقِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَثَلِ كَمَا قِيلَ فِي بَقِيَّةِ الأَشْيَاءِ‏,‏ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَمْ يُقَلْ عَلَى الْمَثَلِ‏,‏ وَقِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ‏;‏ لأَنَّ تِلْكَ الأَشْيَاءَ إنَّمَا تُرَادُ لِإِيمَانِ الْعِبَادِ بِهَا وَلأَخْذِهِمْ لَهَا‏,‏ وَلِعِلْمِهِمْ بِهَا‏,‏ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جُعِلَتْ تِلْكَ الأَشْيَاءُ هُنَاكَ وَكَانَتْ فِي أَنْفُسِهَا إنَّمَا أُرِيدَتْ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ أَرَادَهَا سَبَبًا إلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا بِلَطِيفِ حِكْمَتِهِ‏,‏ وَكَانَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ مِنْ أَشَدِّهِمْ طَلَبًا لَهَا وَمُسَارَعَةً إلَيْهَا وَتَمَسُّكًا بِهَا وَاَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِهِ بِقَطْعِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ فَتَجْحَدُهُ

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ رِجَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ‏:‏ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ‏,‏ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ أُسَامَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا أُسَامَةَ لاَ أَرَاك تُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَقَالَ إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ‏,‏ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ‏,‏ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا فَقَطَعَ يَدَ الْمَخْزُومِيَّةِ حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا قَالَ لَنَا عُبَيْدٌ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ وَعَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي شَأْنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَعَارَتْ الْحُلِيَّ فَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهَا الَّتِي شَفَعَ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ إلَيْهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُصْعَبٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ فَنَكَحَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ رَجُلاً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَكَانَتْ عِنْدَهُ حَسَنَةَ التَّلَبُّسِ تَأْتِينِي فَأَرْفَعُ لَهَا حَاجَتَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الصِّحَاحِ عِنْدَكُمْ فَكَيْفَ جَازَ لَكُمْ تَرْكُهَا وَتَرْكُ اسْتِعْمَالِ مَا فِيهَا وَمُخَالَفَتُهَا‏؟‏‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ، أَنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ فِي صِحَّةِ مَجِيئِهَا وَاسْتِقَامَةِ أَسَانِيدِهَا كَمَا ذَكَرَ‏,‏ وَلَكِنَّهَا قَدْ قَصَرَ فِيهَا عَنْ ذِكْرِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا مِنْ مَا قَدْ وَجَدْنَاهُ مَذْكُورًا فِي غَيْرِهَا وَهُوَ لِسَرِقَتِهَا فَكَانَ قَطْعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا لِذَلِكَ لاَ لِمَا سِوَاهُ‏,‏ وَذُكِرَتْ بِمَا سِوَاهُ إذْ كَانَ خُلُقًا مِنْ أَخْلاَقِهَا عُرِفَتْ بِهِ وَكَانَ قَطْعُ يَدِهَا فِيمَا سِوَاهُ‏,‏ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَلَمَّا كَلَّمَهُ فِيهَا‏,‏ تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ‏؟‏‏,‏ فَقَالَ أُسَامَةُ‏:‏ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ عَلَى مِثْلِ مَا فِي حَدِيثِ عُبَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا هَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا‏,‏ وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَطْعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا كَانَ لِسَرِقَتِهَا لاَ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ‏.‏

بَابُ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا هَاجَرَا إلَيْهِ فَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا وَعَاشَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ فَفُضِّلَ صَاحِبُهُ الْمُسْتَشْهَدُ قَبْلَهُ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي‏,‏ عَنْ جَدِّي‏,‏ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ‏,‏، عَنْ أَبِيهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ‏,‏ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو‏,‏ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ وَهُوَ حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ قُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ وَأُخِّرَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً‏,‏ ثُمَّ مَاتَ قَالَ طَلْحَةُ‏:‏ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ الْجَنَّةَ فُتِحَتْ فَرَأَيْتُ الآخَرَ مِنْ الرَّجُلَيْنِ دَاخِلَ الْجَنَّةِ قَبْلَ الأَوَّلِ فَتَعَجَّبْت فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فَبَلَغْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَيْسَ قَدْ صَامَ رَمَضَانَ بَعْدَهُ وَصَلَّى بَعْدَهُ سِتَّةَ أَلْفِ رَكْعَةٍ‏,‏ وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةً لِصَلاَةِ سَنَتِهِ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ أَسْلَمَ رَجُلاَنِ مِنْ بَلِيٍّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ إسْلاَمُهُمَا جَمِيعًا‏,‏ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْ الآخَرِ فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ وَمَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ‏,‏ فَقَالَ طَلْحَةُ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ إذْ أَنَا بِهِمَا فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الآخِرَ مِنْهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اُسْتُشْهِدَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيَّ فَقَالَ ارْجِعْ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ‏,‏ فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ فَعَجِبُوا لِذَلِكَ فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدَخَلَ الآخَرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ‏؟‏‏,‏ قَالَ أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ بَعْدَهُ سَنَةً‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى‏,‏ قَالَ وَأَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى‏,‏ قَالَ‏:‏ وَصَلَّى كَذَا‏,‏ وَكَذَا سَجْدَةً فِي السَّنَةِ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ بَلَى‏,‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ فَلَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَفَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالُوا‏:‏ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ ثُمَّ ذَكَرَا بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏,‏ ثُمَّ مَاتَ الآخَرُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَا قُلْتُمْ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ دَعَوْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ‏,‏ وَيَرْحَمَهُ‏,‏ وَيُلْحِقَهُ بِصَاحِبِهِ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ فَأَيْنَ صَلاَتُهُ بَعْدَ صَلاَتِهِ‏,‏ وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ وَصِيَامُهُ بَعْدَ صِيَامِهِ لَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي‏:‏ ابْنَ الْمُبَارَكِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ هُوَ جَدُّ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً‏,‏ وَقَدْ خُولِفَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ‏,‏ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَهْزِيِّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا‏,‏ وَعَاشَ الآخَرُ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ مَاتَ فَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَ لَهُ وَكَانَ مُنْتَهَى دُعَائِهِمْ لَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِأَخِيهِ الَّذِي قُتِلَ قَبْلَهُ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّهُمَا تَقُولُونَ أَفْضَلُ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ الَّذِي قُتِلَ قَبْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏,‏ قَالَ‏:‏ أَمَا تَجْعَلُونَ لِصَلاَةِ هَذَا وَلِصِيَامِهِ بَعْدَهُ وَلِصَدَقَتِهِ وَلِعَمَلِهِ فَضْلاً‏؟‏‏,‏ لَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِنْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَضْلُ الَّذِي مَاتَ بَعْدَ الَّذِي مَاتَ قَبْلُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّ الْمَيِّتُ مِنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى صَاحِبِهِ الْمُسْتَشْهَدِ قَبْلَهُ وَلِصَاحِبِهِ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ الْخَيْرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ مَنْ رَابَطَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ‏,‏ وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا جَرَى لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الأَجْرِ‏,‏ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى الْقُرَشِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلاَنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلاَّ الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يُؤَمَّنُ فَتَّانِي الْقَبْرِ قَالَ فَفِي هَذِهِ الآثَارِ مَا فِيهَا مِنْ فَضْلِ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وَمَنْ نَمَا عَمَلُهُ لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏,‏ وَمَنْ قُتِلَ مُرَابِطًا كَانَ فَوْقَ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا فِي الْمَنْزِلَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَنْ مَاتَ غَيْرَ مُرَابِطٍ‏;‏ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَمَلُهُ بِمَوْتِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي‏:‏ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ بِمَوْتِهِ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ عِلْمٍ بَثَّهُ‏,‏ وَمِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ‏,‏ وَمِنْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ، أَنَّ مَا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَيْنَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَيْنَا فِيهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُعْطَاهُ الْمَيِّتُ فِي رِبَاطِهِ يَنْقَطِعُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا يَنْقَطِعُ عَمَلُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوْتَى عَنْهُ‏,‏ وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يَنْمُو لَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ ذَلِكَ الْعَمَلُ بِعَيْنِهِ لاَ عَمَلَ سِوَاهُ يَلْحَقُ بِهِ‏,‏ وَكَانَ الرَّجُلاَنِ الْمُهَاجِرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا هَاجَرَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعًا فَتَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ‏,‏ وَأَقَامَا عِنْدَهُ بَاذِلَيْنِ لأَنْفُسِهِمَا فِيمَا يَصْرِفُهُمَا فِيهِ مِنْ جِهَادٍ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنْ الأَشْيَاءِ الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُصْرَفُ الْمَقْتُولُ مِنْهُمَا فِي الْجِهَادِ حَتَّى قُتِلَ فِيهِ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ يَصْرِفُهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إِلاَّ بِتَصْرِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُ فِيهِ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ قَدْ كَانَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ فَسَاوَاهُ فِيهِ وَزَادَ الآخَرُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ الَّتِي قَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِمِثْلِهَا فَكَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الشَّهِيدِ وَإِنْ كَانَ الشَّهِيدُ بِفَضْلِهِ فِيمَا حَلَّ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ قَدْ بَذَلَ نَفْسَهُ لِذَلِكَ ثُمَّ عَاشَ بَعْدَهُ حَوْلاً فِي هِجْرَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ إنْفَاقُ مَالِهِ فَتَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُصَلِّيًا صَلَوَاتِ مُدَّتِهِ تِلْكَ وَصَائِمًا شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي مَرَّ عَلَيْهِ فِيهَا وَلِذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ مَا لَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُنْكِرَ تَجَاوُزَهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْمَنْزِلَةِ فِي الثَّوَابِ عَلَيْهَا وَفِي اسْتِحْقَاقِ سَبْقِهِ إيَّاهُ إلَى الْجَنَّةِ‏,‏ وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنْ هُوَ دُونَ مِثْلِهِ‏.‏

مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الشَّهَادَةَ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ‏,‏ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَحْوَالُ الرَّجُلِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي هِجْرَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَلَبُّثِهِ مَعَهُ لِلتَّصَرُّفِ فِيمَا يَصْرِفُهُ فِيهِ وَإِعْمَالِهِ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ‏,‏ وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ لأَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَوْقَ ذَلِكَ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ انْقِطَاعِ عَمَلِ الرَّجُلِ بِمَوْتِهِ إِلاَّ مِنْ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَالَ قَائِلٌ قَدْ رَوَيْت فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ سَلْمَانَ فِي الرِّبَاطِ وَأَنَّهُ يَنْمُو لِلْمَيِّتِ فِيهِ عَمَلُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ يَنْمُو لَهُ مَا قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ‏؟‏ وَرَوَيْت عَنْهُ صلى الله عليه وآله وسلم أَيْضًا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْكَ فِي كِتَابِكَ هَذَا فِيمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعَمِلَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ أَنَّ لَهُ أَجْرَهَا‏,‏ وَأَجْرَ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَهَذِهِ أَعْمَالٌ قَدْ لَحِقَتْ الْمَيِّتَ زَائِدَةً عَلَى الثَّلاَثَةِ الأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَاتِ فِي انْقِطَاعِ عَمَلِهِ بِمَوْتِهِ إِلاَّ مِنْهَا فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ، بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ، أَنَّ هَذِهِ آثَارٌ مُؤْتَلِفَةٌ كُلُّهَا لاَ خِلاَفَ‏,‏ وَلاَ تَضَادَّ فِيهَا‏;‏ لأَنَّ حَدِيثَ سَلْمَانَ عَلَى عَمَلٍ مُتَقَدِّمٍ لِمَوْتِ الْمُرَابِطِ يَنْمُو لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَعْنًى يَتَوَفَّرُ لَهُ ثَوَابُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَمَلٌ قَدْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ‏.‏

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ فَالْمُسْتَثْنَى فِيهِ وَهُوَ أَعْمَالٌ تَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ صَدَقَةٍ بِهَا عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهَا فِي حَيَاتِهِ‏,‏ وَعِلْمٍ يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ‏,‏ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ هُوَ سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ‏,‏ وَكُلُّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ يَلْحَقُهُ بِهَا ثَوَابٌ طَارِئٌ خِلاَفَ أَعْمَالِهِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِخِلاَفِ الْمَيِّتِ فِي رِبَاطِهِ الَّذِي يُعْطَى ثَوَابَ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ لاَ ثَوَابَ أَعْمَالٍ تَحْدُثُ بَعْدَ وَفَاتِهِ‏.‏

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعَمِلَ بِهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ‏,‏ فَهِيَ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ بَثَّهُ فِي حَيَاتِهِ‏,‏ وَعَمِلَ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ تِلْكَ الثَّلاَثَةُ الأَشْيَاءُ فَبَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ‏,‏ وَنِعْمَتِهِ أَنْ لاَ تَضَادَّ فِي شَيْءٍ مِنْ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهَا كُلَّهَا مُؤْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُخْتَلِفَةٍ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاَةِ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ‏,‏ وَفَضْلَهَا

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُرَادِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ‏,‏ وَفَضْلَهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِإِدْرَاكِ الصَّلاَةِ‏,‏ وَفَضْلِهَا غَيْرَ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏,‏ وَهُوَ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ‏,‏ وَقَدْ وَجَدْنَا اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِغَيْرِ ذِكْرٍ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ فِيهِ‏,‏ وَبِغَيْرِ ذِكْرٍ فِي إدْرَاكِ فَضْلِ الصَّلاَةِ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَفَهْدٌ‏,‏ قَالاَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ‏,‏ عَنِ ابْنِ الْهَادِ‏,‏ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ‏.‏

فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا وَجَبَ عَلَيْنَا تَأَمُّلُهُ فَتَأَمَّلْنَا فَوَجَدْنَا مُدْرِكَ الصَّلاَةِ مُدْرِكًا لِفَضْلِهَا‏,‏ فَكَانَ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَلَيْهِ كَافِيًا لَنَا مِمَّا زَادَ نَافِعٌ عَلَيْهِ فِيهِ ثُمَّ تَأَمَّلْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِ ابْنِ الْهَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ كَيْفَ هُوَ فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلاَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ‏.‏

وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَا رَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَلَيْهِ وَمُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ نَافِعٌ وَعَقَلْنَا أَنَّ ذَلِكَ الإِدْرَاكَ إنَّمَا هُوَ لِفَضْلِ الصَّلاَةِ لاَ إدْرَاكِ الصَّلاَةِ نَفْسِهَا‏;‏ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ إدْرَاكًا لَهَا نَفْسِهَا لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ بَقِيَّتِهَا‏,‏ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ تَأَمَّلْنَا مَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ مُدْرِكِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الصَّلاَةِ أَنَّهُ يَكُونُ بِهِ مُدْرِكًا لَهَا فِي وُجُوبِ فَرْضِهَا عَلَيْهِ‏,‏ وَفِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْهَا عَلَى مِثْلِ مَا صَلَّاهُ مُدْرِكُوهَا وَيَجْعَلُونَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ مِنْهَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ‏,‏ حَتَّى قَالَ الْحِجَازِيُّونَ مِنْهُمْ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ مِنْ حَيْضَتِهَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ الَّتِي طَهُرَتْ فِي وَقْتِهَا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا قَضَاؤُهَا‏,‏ وَفِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْهَا‏,‏ وَفِي النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْهَا أَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ تِلْكَ الصَّلاَةَ وَإِنَّ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ‏,‏ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ تِلْكَ الصَّلاَةِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةِ إنَّهُمْ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَإِنَّهُمْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهَا‏,‏ وَقَالُوا فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ مَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً قَضَى أُخْرَى‏,‏ وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا مَا دُونَ الرَّكْعَةِ صَلَّى أَرْبَعًا‏,‏ وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ‏.‏

وَوَجَدْنَا مِنْ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ لِمُخَالِفِيهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْحُيَّضِ إذَا طَهُرَتْ فِي وَقْتِ الصَّلاَةِ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِنَّ مِنْ وَقْتِهَا مِقْدَارُ مَا يَغْتَسِلْنَ فِيهِ‏,‏ وَيَدْخُلْنَ فِيهِ بِتَكْبِيرَةٍ وَهُوَ أَقَلُّ الْقَلِيلِ مِنْهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلاَةِ‏,‏ وَيَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصِّبْيَانِ إذَا بَلَغُوا وَفِي النَّصَارَى إذَا أَسْلَمُوا وَيَقُولُونَ فِيمَنْ دَخَلَ فِي التَّشَهُّدِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِهَا وَأَنَّهُ يَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَجَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ كَمُدْرِكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إدْرَاكِ الْقَلِيلِ مِنْ الصَّلاَةِ مِثْلُ الَّذِي قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مِنْهَا‏,‏ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الأَنْصَارِ وَهُوَ وَجِعٌ فَقَالَ مَنْ فِي الْبَيْتِ‏؟‏ فَقِيلَ أَهْلُك وَوَلَدُك وَجُلَسَاؤُك فِي الْمَسْجِدِ قَالَ فَأَجْلِسُونِي قَالَ فَأَسْنَدَهُ ابْنُهُ إلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ لاَُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ حَدِيثًا مَا حَدَّثْت بِهِ مُنْذُ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احْتِسَابًا وَمَا أُحَدِّثْكُمُوهُ الْيَوْمَ إِلاَّ احْتِسَابًا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ عَمَدَ إلَى الْمَسْجِدَ لَمْ يَرْفَعْ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلاَّ كُتِبَتْ لَهُ بِهَا حَسَنَةٌ وَلَمْ يَضَعْ الْيُسْرَى إِلاَّ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَسْجِدَ فَلْيَتَقَرَّبْ أَوْ لِيَتَبَاعَدْ فَإِنْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ فِي الْجَمَاعَةِ مَعَ الْقَوْمِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ‏,‏ وَإِنْ أَدْرَكَ مِنْهَا بَعْضًا وَسُبِقَ بِبَعْضٍ فَقَضَى مَا فَاتَهُ فَأَحْسَنَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ كَانَ كَذَلِكَ وَإِنْ جَاءَ‏,‏ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ كَانَ كَذَلِكَ‏,‏ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي إدْرَاكِ أَقَلِّ الْقَلِيلِ مِنْ الصَّلاَةِ مِثْلُ مَا فِي الآثَارِ الآُوَلِ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ مِنْهَا‏,‏ وَإِذَا كَانَ مَا قَدْ رُوِيَ فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مِنْهَا مَعْنَاهُ مَعْنَى إدْرَاكِ الْفَضْلِ فَدَلَّ ذَلِكَ مَا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْ الصَّلاَةِ يَكُونُ بِهِ مِنْ أَهْلِهَا كَمُدْرِكِي مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْهَا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مُدْرِكَ أَقَلِّهَا فِي حُكْمِ مُدْرِكِ ذَلِكَ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلاَّ أَنَّ مُحَمَّدًا خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهَا كَمَا قَالَ الْحِجَازِيُّونَ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ وَجْهُ الصِّفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ‏,‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ يُحْتَمَلُ مَا رَوَيْتُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ كَانَ بَعْدَمَا رَوَيْتُهُ فِي آخِرِهِ‏,‏ فَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ‏,‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي آخَرَ فَيَكُونُ نَاسِخًا لَهُ‏.‏

وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ الْحُجَّتَانِ مُتَكَافِئَتَيْنِ غَيْرَ أَنَّ لأَهْلِ الْقَوْلِ الآخَرِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ الآخَرِ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُونَهُ لَهُ لَمْ يَنْسَخْهُ بِيَقْطَعَ ذَلِكَ الثَّوَابَ عَنْهُمْ وَلاَ يُنْقِضُهُمْ مِنْهُ إِلاَّ بِذُنُوبٍ تَكُونُ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا ذَلِكَ‏,‏ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ‏}‏ الآيَةَ وَكَانَ مَا فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ مِنْ الثَّوَابِ الزَّائِدِ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ نِعْمَةً مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَفَضْلاً تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَاسْتَحَالَ أَنْ يَنْسَخَ ذَلِكَ وَأَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوبٍ تَكُونُ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا ذَلِكَ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعْمَتِهِ‏,‏ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا بَقَاءُ حُكْمِ مَا فِي الْحَدِيثِ الآخَرِ‏,‏ وَعَدَمُ نَسْخِهِ‏,‏ وَثَبَتَ أَنَّ الاِسْتِدْلاَلَ بِمَا فِيهِ عَلَى الْوَاجِبِ مِنْ الاِخْتِلاَفِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ أَوَّلاً مِنْ الاِسْتِدْلاَلِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ مَعَ أَنَّا لَوْ خَلَّيْنَا وَالْقِيَاسُ لَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا فِي الْحَائِضِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَفِي الصَّبِيِّ وَفِي النَّصْرَانِيِّ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ الصَّلاَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا إِلاَّ بِأَنْ يُدْرِكُوا مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي صَارُوا فِيهِ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ مِقْدَارَهَا بِكَمَالِهَا كَمَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الصِّيَامِ إِلاَّ مَا أَدْرَكُوا وَقْتَهُ بِكَمَالِهِ‏,‏ وَقَدْ كَانَ زُفَرُ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ غَيْرَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى خِلاَفِهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى عِنْدَنَا مِنْهُ وَاَللَّهَ تَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏